سبعينية الثورة المجيدة : الجغرافيا والتضاريس لم تمنع سكان جنوب البلاد من تلبية نداء الوطن
أدرار – كان لاندلاع الثورة التحريرية مع الفاتح نوفمبر 1954 وقع كبير على سكان مناطق الجنوب, حيث لم تمنعهم تضاريس المنطقة المكشوفة و تجمعاتها السكانية المتباعدة من الانخراط في مسيرة الكفاح المسلح تلبية لنداء الوطن.
وقد عمل مناضلو منطقة توات على ربط الاتصال بمختلف مناطق الثورة القريبة منها, على غرار غرداية و الأبيض سيدي الشيخ, حيث نجح المجاهد الدين سليمان, الذي كان يمتهن التجارة بين منطقتي توات و الأبيض سيدي الشيخ, في الاتصال بعناصر مهمة في جبهة التحرير الوطني بمنطقة بوسمغون سنة 1956, منهم عفون أحمد, وفق ما صرح به الدكتور في التاريخ عبد الفتاح بلعروسي من ولاية أدرار.
و في هذا الجانب, أشار الدكتور بلعروسي أن منطقة توات اكتست أهمية كبيرة بعد الحرب العالمية الثانية, كما أنها كانت قاعدة خلفية للكفاح المسلح بالمنطقة.
و أضاف ذات المتحدث أنه, و مع ظهور المقاومة السياسية و تنامي الوعي السياسي الذي ساهم في احتضان الثورة التحريرية منذ سنواتها الأولى, فقد انضم سكان منطقة أدرار بمختلف جهاتها إلى الحركة الوطنية, كما انضم إليها القادة أيضا من بينهم القائد تاغوزي و قائد لمحارزة و قائد الخنافسة و قائد أوقروت و قائد أسبع, فيما كانت دكاكين التجار في كل مكان تستخدم كمكاتب للحركة الوطنية, مما دفع بالمستعمر الفرنسي إلى قمع الحركة و اعتقال زعمائها المحليين, من بينهم بن بيتور علال والشيخ محمد و الحفيظ قلوم الشيخ, حيث سلطت عليهم أساليب الضغط و الغرامات المالية الجائرة.
وشمل الاتصال بداية التحضير للاجتماع السري الذي جرى بمنطقة تينركوك بأقصى شمال منطقة قورارة صائفة 1956 بمنزل الزاوي الشيخ, مقدم زاوية سيدي الشيخ هناك, كما تم خلال تلك السنة إنشاء اللجنة الخماسية لجبهة التحرير الوطني التي ضمت كلا من أقاسم عبد العزيز رئيسا, و بوحادة عبد القادر نائبا و شيسنة دربالي كاتبا والبشير العامري أمينا للمال, وسلكة بومدين عضوا و حمداوي حمو مكلفا بالاستخبار و بودواية بودواية مكلفا بالتموين و البريد.
وبدأت سنة 1957 عملية تحضير مراكز التموين و التنسيق التي بلغ عددها 21 مركزا تكفلت بجمع الاشتراكات وتنصيب مسؤولي النواحي و المراكز و توقيع الوثائق و الرسائل و غيرها ..
وأضاف ذات الباحث أنه بعد التقاء المجاهد الهاشمي محمد بقائد الناحية الثامنة بالولاية الخامسة, المجاهد عبد الغني عقبي, بنواحي منطقة بشار سنة 1957, هذا الأخير الذي زوده بمسدس وعلم جزائري يحمل آثار الدماء الزكية والطاهرة الشريفة لشهداء معركة خراج عبد الرحمن التي قادها العقيد لطفي بنواحي بشار, تم تعيينه مسؤولا سياسيا و عسكريا وتم تكليفه بالتنسيق مع قادة الثورة بمنطقة الساورة.
و أشار الأستاذ بلعروسي عبد الفتاح أن الانتصارات في العديد من المعارك التي شهدتها منطقة العرق الغربي الكبير كان لها صدى حتى في الصحف الفرنسية العالمية التي لم تستطع آنذاك التكتم عليها نظرا لشراستها و بسالة مجاهديها في منطقة صحراوية مكشوفة, حيث تبخرت معها أحلام فرنسا في بترول الجزائر و مصالحها الاستراتيجية بالمنطقة. وقد أدت هذه العوامل إلى توسع الثورة أكثر في عمق الجنوب الجزائري.
وكانت الجبهة الجنوبية, سيما بعد إحكام الحصار على خطي شارل و موريس, قاعدة خلفية للثورة التحريرية في أعماق الصحراء الجزائرية.
الجبهة الجنوبية حققت أهدافا استراتيجية
و بعد أن حققت الثورة التحريرية مطلع ستينيات القرن الماضي انتصارات داخلية و خارجية مدوية في وجه الاستعمار الفرنسي, فقد عملت قيادات الثورة حينها على توسيع المواجهة مع العدو بإقامة جبهة على حدود البلاد مع مالي والنيجر كي تساهم في مرافقة و تأطير كفاح سكان المناطق الجنوبية.
و قد شرعت قيادة الجبهة الجنوبية بعد إنشائها في ربط الاتصال بقيادة الثورة, حيث تم ربط منطقة أدرار بمركز القيادة بمنطقة قاو (مالي) و منها إلى بشار ثم إلى وهران, إلى جانب ربط مركز قيادة الجبهة الجنوبية بمنطقة تمنراست, وقد تمثل نشاط الجبهة في التوعية و الحشد للثورة التحريرية المظفرة و نشر مبادئها في أوساط الشعب الجزائري في الداخل و الخارج و وضع بطاقات خاصة عن عملهم و نشاطهم و إمكانية الاستفادة منهم في مساعدة الثورة التحريرية.
و قد حققت الجبهة الجنوبية يضيف الباحث أهدافا استراتيجية هامة للثورة التحريرية المجيدة, من أبرزها إفشال مخطط فرنسا لفصل صحراء الجزائر عن شمالها, بحيث شكلت الصحراء الجزائرية متنفسا ثوريا و لوجيستيا للثورة التحريرية بعد تضييق الخناق عليها بخطي شارل و موريس. وقد أخلط هذا التنظيم المحكم للثورة في كامل ربوع الوطن أوراق الاستعمار الفرنسي وألاعيبه التي تفطن لها قادة الثورة التحريرية وتصدوا لها بكل أساليب الكفاح.