فلاحة: آفاق واعدة لتطوير الزراعة الدقيقة باستعمال الذكاء الاصطناعي
الجزائر – في الوقت الذي تتوقع فيه الدراسات أن تسمح الزراعة القائمة على الذكاء الاصطناعي بتوفير نحو 30 بالمائة من استهلاك المياه عالميا، مع زيادة المحاصيل الزراعية بـ25 بالمائة، تسعى الجزائر لتعزيز أمنها الغذائي ورفع مردودية انتاجها الفلاحي، في ظل وجود آفاق واعدة وتجارب مشجعة في مجال الزراعة الدقيقة.
وتقوم الزراعة الدقيقة على جمع بيانات مفصلة عن المحاصيل والتربة والطقس والظروف البيئية الأخرى، ثم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل هذه البيانات بهدف اتخاذ القرارات المناسبة بشكل آلي أو بتدخل بشري.
ويكشف الخبير في الاقتصاد الزراعي، والمكون في الذكاء الاصطناعي لفائدة المهندسين الفلاحيين، براهم لكفل، في تصريح لـ(وأج)، عن “وجود تجارب ناجحة في إطار الزراعة الدقيقة القائمة على الذكاء الاصطناعي في مجال البستنة بالجزائر، يجب تعميمها”، وهي التجارب التي مكنت من “مضاعفة مردود إنتاج بعض الخضروات بـ 4 إلى 5 مرات”.
وأشار الخبير إلى أهمية اللجوء للذكاء الاصطناعي في التنبؤ بأمراض النباتات، “فعندما تتوفر معطيات معينة، كالرطوبة والحرارة، يصبح تعرض النبات لبعض الأمراض أشبه بالحتمية، وهنا يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل هذه المعطيات للإنذار بها بغية اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفاديها”.
ويعد السقي الذكي عن بعد أيضا من المجالات المفيدة وسهلة التنفيذ نسبيا، حيث يتعرف البرنامج الذكي على درجة حرارة التربة ليرسل إشعارا إلى تطبيق هاتفي عن بعد، يطلع عليه المزارع ويقرر إطلاق عملية السقي من عدمه، من أي مكان كان في العالم، مهما كان بعيدا، يضيف السيد لكفل.
تجارب مشجعة
ومن التجارب الواعدة في مجال الزراعة الدقيقة، ما يقوم به ناصر بوزياني ومراد بوزيت، باحثان جزائريان في علم الروبوت والفيزياء مقيمان بالخارج، من خلال مشروع “سقاي” Sakai، المتمثل في روبوتات ذاتية القيادة، تشتغل بالطاقة الشمسية، وتستخدم في الري والتسميد العميق للجذور، بشكل آلي يكاد لا يحتاج إلى تدخل بشري، مما يوفر الماء والسماد بالقدر الكافي وفي الوقت المناسب لكل نبتة على حدى.
وتتمتع هذه الآلات بمستشعرات دقيقة يمكنها التعرف على رطوبة التربة وصحة الأشجار واكتشاف علامات النباتات المريضة، كما تدار بنظام تشغيل ومتابعة بالذكاء الاصطناعي، يوفر لها المعلومات اللازمة باستمرار، ويعرض للمزارع كل تفاصيل التربة والنباتات لديه، وفقا لما أوضحه السيد بوزيت لـ (وأج).
هذا المشروع المبتكر، يضيف الباحث، “أثار إعجاب وكالة ناسا وبعض مراكز البحث الصينية التي عرضت المساهمة في تطويره، حيث يوجد حاليا في مرحلة البحث والتطوير”.
ويرى الباحثان أن تبني نظام مثل “سقاي” عوض الري التقطيري والتسميد السطحي، من شأنه خفض الموت المبكر للأشجار من نسبة 45 بالمائة إلى 15 بالمائة. وفضلا عن كون التسميد العميق صديقا للبيئة، فإنه أيضا موفر للمياه.
ويمكن للروبوت الواحد ري وتسميد قرابة 120 هكتارا، حسب كثافة الأشجار وموقع مصدر المياه، وفقا للشروحات التي قدمها المبتكران.
ولا تقتصر الزراعة الدقيقة على الري والتسميد ومكافحة أمراض النباتات فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى بناء نظم زراعية كاملة، يمكن من خلالها متابعة كل مراحل العملية الزراعية، بدءا من الحرث وإلى غاية الحصاد.
ومن المشاريع الواعدة في هذا الصدد، تبرز المزارع الحديثة التي يتأهب مجمع “سواكري” لإطلاقها قريبا بالجزائر، حيث دأب رفقة شريك تركي على إنشاء نظام “أتمتة” (automatisation) شامل مزود بالذكاء الاصطناعي، يتحكم في كل خطوات إنتاج الطماطم الكرزية الموجهة للتصدير، بهدف التحكم في مردود المزارع وجودة المنتوج، حسب ما أفاد به مسؤول المشاريع لدى المجمع، مراد فاسي، في تصريح لـ (وأج).
وأضاف السيد فاسي أن النظام المعتمد على الذكاء الاصطناعي يتدخل في إدارة المحاصيل، حيث تتطلب الزراعة قدرا كبيرا من الدقة، لضمان رفع الإنتاجية وتقليل المخاطر لأقصى حد.
ومن التجارب الواعدة كذلك، تجربة فارم أ أي (Farm AI)، وهي شركة ناشئة جزائرية صنفت سنة 2023 كثاني أفضل شركة ناشئة في منافسة Tech 4 Good العالمية بالصين، لتطويرها نظاما للتعرف على أمراض النباتات باستخدام الطائرات المسيرة.
وقد دعت مسيرة الشركة، أحلام بورزاق، الى تذليل العراقيل من اجل تطبيق هذه التقنية.
ويرى الاستشاري سليم بجة أن مثل هؤلاء المبتكرين بحاجة إلى مرونة أكثر في التشريعات، ولوجود رؤية واضحة لدى المؤسسات الاقتصادية من حيث المتطلبات والبيانات المتوفرة، في الوقت الذي أضحى فيه إنشاء بنوك استثمارية قادرة على تحمل المخاطر المالية ضروريا، بما أن مجال الابتكار يعد ذا مخاطر عالية لا يمكن للبنوك التقليدية تحملها.