دشرة أولاد موسى بباتنة … على خطى مفجري ثورة نوفمبر الخالدة
باتنة – ينتاب الزائر لدشرة أولاد موسى الكائنة بأعالي بلدية ايشمول بولاية باتنة إحساس غريب كأنه يسمع خطى مفجري ثورة نوفمبر الخالدة سنة 1954.
فبين ثنايا هذه القرية الصغيرة ذات التضاريس الصعبة والطبيعة القاسية والتي تبعد بحوالي 10 كلم عن مدينة أريس تم عقد اللقاء الشهير الذي تخلله توزيع الأسلحة على مجاهدي الرعيل الأول ليلة الفاتح نوفمبر 1954 بإشراف الشهيد مصطفى بن بولعيد إيذانا باندلاع الثورة التحريرية المظفرة.
ومن هذا المكان الذي ما زال يحتفظ بهيبته وتحديدا من ديار الإخوة بن شايبة انطلقت تحت جنح الظلام منذ 70 سنة أولى أفواج المجاهدين الذين تحدوا الاستعمار وأعلنوها حربا ضروسا من أجل أن تحيا الجزائر حرة مستقلة.
وبالنسبة للأمين الولائي للمنظمة الوطنية للمجاهدين لباتنة المجاهد العبد رحماني فإن المعلم التاريخي بدشرة أولاد موسى سيبقى على مر الزمن شاهدا حيا على ذكاء وفطنة وحنكة الذين خططوا للثورة وفجروها بعد ذلك رغم قلة إمكانياتهم وقوة المستعمر من حيث العدد والعدة.
وأضاف ذات المجاهد أن حصانة المكان وموقعه الإستراتيجي في أعالي هضبة تطل على نواحي أريس وايشمول ساهم في عدم انكشاف أمر المجموعات التي تسللت إليه تنفيذا لتعليمات الشهيد مصطفى بن بولعيد .
وتستمد هذه القلعة سمعتها حسب الباحث والمختص في التاريخ بجامعة باتنة 1 الدكتور جمال مسرحي من احتضانها لآخر اجتماع نهاية شهر أكتوبر قبيل تفجير الثورة التحريرية والذي وضع فيه الشهيد مصطفى بن بولعيد آخر الترتيبات وأسدى التعليمات والتوجيهات الأخيرة لرؤساء الأفواج التي ستضرب الأهداف المحددة عند الساعة صفر.
ويعد هذا اللقاء مرحلة فاصلة في تاريخ الثورة التحريرية وفق المختص في التاريخ بذات الجامعة الدكتور محمد العيد مطمر من خلال الشروع في تنفيذ الهجوم على العدو بعد أن أفصح الشهيد مصطفى بن بولعيد قبله بأيام في لقاء سابق بقرية لقرين بدار عبد الله بن مسعودة (ببلدية أولاد فاضل حاليا) عن موعد تفجير الثورة وتعيين رؤساء الأفواج والأهداف المحددة للهجوم وأماكن تجمع المجاهدين بحضور مسؤولي منطقة الأوراس ومنهم عاجل عجول وعباس لغرور وشيحاني بشير والطاهر غمراس المدعو نويشي.
وانطلق 39 فوجا من دار بن شايبة ليلة الفاتح نوفمبر1954 كما توثقه شهادات حية لمجاهدي الرعيل الأول الذين رحلوا تباعا بعد أن نقلوا للأجيال تفاصيل تلك الليلة التي كانت بيضاء وأضاءت بنورها عتمة ليل المستعمر الحالك حيث أن الأفواج المذكورة انطلقت من دار بن شايبة في حدود الساعة صفر ليلة الفاتح نوفمبر 1954 لتضرب المستعمر بمناطق متفرقة من الأوراس.
وأكد عديد المجاهدين الذين كانوا من بين الذين حضروا هذا اللقاء التاريخي في شهادات سابقة لوأج قبل وفاتهم من بينهم أحمد قادة ومحمد بزيان وعمار بن شايبة وجودي كيور ومحمد جرمون وآخرون أن ”لقاء قرية نارة أحيط بسرية تامة وحرص بن بولعيد في تعليمات قدمها لرؤساء الأفواج أن كل من يدخل دار بن شايبة لا يخرج منها إلا بإذن منه شخصيا” وذلك حرصا على أن لا تتسرب أي معلومة حول الموضوع.
وأوضح المرحوم عمار بن شايبة المدعو علي الذي نجا بأعجوبة من حادثة المذياع التي استشهد فيها مصطفى بن بولعيد أن الدار وهي ملك لعائلته كانت كبيرة بثلاثة أفنية واسعة و20 غرفة مما جعلها جد مناسبة سواء من حيث استقبال عدد كبير من الوافدين الأشخاص (الجنود) الذين قارب عددهم حوالي 400 شخص أو من حيث موقعها الإستراتيجي بمرتفع مناسب جدا لمراقبة تحركات العدو.
وحسب المجاهد المرحوم محمد بيوش فإن المجتمعين في ديار بن شايبة بعد تسللهم في جماعات صغيرة إلى دشرة أولاد موسى عكفوا طيلة يوم ال 30 أكتوبر في ملء الخراطيش ليتفرغوا في اليوم الموالي لتنظيف الأسلحة مشيرا في شهادة سابقة لوأج أن لا أحد كان يعلم بموعد تفجير الثورة باستثناء رؤساء الأفواج .
وذكر ذات المتحدث أن بن بولعيد خطب في المجتمعين بالدار مساء 31 أكتوبر بحضور شيحاني بشير وعاجل عجول وعباس لغرور ومصطفى بوستة وآخرون ليعلم آنذاك بأن وقت الثورة قد حان.
وأوضحت ذات الشهادات أن المجاهدين الحاضرين عاهدوا سي مصطفى على المضي في محاربة الاستعمار وعدم التراجع إلى غاية تحرير الجزائر أو السقوط في ميدان الشرف.
ويستقطب المعلم الذي يسجل التاريخ أنه كان منطلق ثورة التحرير المظفرة ذات الفاتح من نوفمبر 1954 سنويا طلبة وباحثين وأساتذة جامعيين من مختلف أنحاء الوطن وكذا سياح من الوطن وخارجه للتعرف عن قرب عن هذا المكان الذي اقترن اسمه بثورة قهرت أعتى قوى استعمارية ومازال يضرب بها المثل بعد مرور 70 سنة من اندلاعها.