جمال الدين رفاس يستكشف عوالم التجديد في أغنية الراي عند الراحل أحمد زرقي
الجزائر – يحاول الفنان جمال الدين رفاس، أن يستكشف العوالم غير المألوفة للراي مقتديا بواحد من الرواد المجددين، الراحل أحمد زرقي، ويتحلى بنفس الروح المبتكرة التي احتفظت ببريقها منذ التجارب الأولى في سنوات السبعينيات، وبنفس الهاجس الذي يدفعه إلى التوفيق بين أصالة النص الغنائي واللحن المتدفق منه وبين الانفتاح على الموسيقى بآلاتها المتنوعة.
كانت أوتار قيثار الشيخ أحمد حمام المشهور بأحمد زرقي (1948-1983) في زمانه الذهبي تهتز لتعزف لحن القطيعة مع الأعراف الموسيقية القديمة وتدعو في المقابل إلى الانفتاح على دروب تجريبية جديدة، لهذا فإن اكتشاف هذه التركة الفنية الفريدة، هي بمثابة تكريم وتحية يرفعها جمال الدين رفاس لروح فنان مجدد ومبدع فسح المجال أمام الخطوات الأولى للراي المعاصر.
يعمل جمال الدين رفاس لرد الاعتبار لأغنية الراي، وفق ديناميكية حقيقية مشهود لها نجاحاتها الكبيرة، وعلى منصة الإبداع غالبا ما يكون رفاس مرفوقا بموسيقيين موهوبين انخرطوا هم أيضا في مسار التجريب والبحث عن ألحان موسيقية مبتكرة، ونذكر منهم مهدي أسكور على الأركوديون، ويوسف بوكلة، عبقري الأوكسترا الوطنية لبارباس، على الباص، كادر دنادنية الذي يبهر مستمعيه لحظة العزف على القيثار، كما لا ننسى محمد مني ضابط الإيقاع وغيرهم.
وقد أخضع جمال الدين رفاس أغنية “جيتي ترونجي” إلى توزيعات جديدة وأسلوب متجدد في الغناء فأصبحت مثل نشيد يمجد روح المبدع أحمد زرقي الذي رفع الراي العباسي عاليا. ولأجل ذلك مزج رفاس في موسيقاه نكهات متنوعة بين موسيقى الريغي والفولك والجاز، ليصنع عملا قابلا للانفتاح على الموسيقى الأخرى، محافظا على قدرة الالتحام بأذواق الشباب ويسافر بهم بكل سهولة.
إن تسجيل الراي كغناء شعبي جزائري على قائمة التراث اللامادي للإنسانية من طرف منظمة اليونسكو، كان بمثابة اضافة إلى قائمة الممتلكات الثقافية الجزائرية المسجلة، وقد واصل جمال الدين رفاس بدوره الترويج لهذه الموسيقى عبر محافل عدة في الجزائر وخارجها، و مؤخرا في مهرجان الراي في وهران ومهرجان صيف الموسيقى في الجزائر العاصمة. ويظهر جليا الخيار الفني لرفاس بتركيزه على واحد من أبرز الوجوه الفنية لمدينة سيدي بلعباس ويسلط الأضواء عليه مجددا و على مساهمته في تثبيت أصول الراي الجزائري وازدهاره عبر أجيال متعاقبة.
ويغتنم رفاس حفلاته لاستخراج باقة من التسجيلات التي تركها زرقي، والتي كانت وراء شهرته ونجاحه الجماهيري في السبعينيات، وكذلك نفض الغبار عن بعض النصوص والألحان الغير منشورة منها “عندي محينة” و”دلالي ها دلالي” و “هكذا ديما يصرالي”. وبكثير من الانسجام والتناغم بين الآلات الموسيقية وبنبرة صوته ينسجم أداء رفاس مع صوت الفنان الراحل الذي استطاع بفرادة فنه أن يلهم الكثير من الفرق الموسيقية منذ رحيله سنة 1983.
تمتد العلاقة الروحية بين جمال الدين رفاس والشيخ زرقي إلى زمن الطفولة. حينما يستعيد جمال ذكريات الصبى في سيدي بلعباس مسقط رأسه، ومعقل اكتشافه سحر القيثار وموسيقى زرقي وأيضا حيث قام بتأسيس فرقة الروك الخاصة به “لي آوت سيدرس” سنة 1995، وكان ذلك في فترة ألحقت بأغنية الراي أحكام مسبقة لم تزعزع مكانته في قلوب الجزائريين فظل الراي موجودا رغم كل شيء ويتطور في دوائر موازية أو بديلة. في هذه الفترة انتبه رفاس إلى وجود “الروك العباسي” الذي بقي يشبه تركة زرقي الفنية.
تنوعت تجارب رفاس الفنية في كنف مدينته بين رقص فلكلوري وموسيقى، ليستقر به الحال لاحقا في شارع “سيدي براهيم بباريس”، الذي سيكون عنوانا رئيسيا في تقدم مشروعه الفني، فهناك سيجاور سفيان سعيدي الذي سيتعاون معه لإنجاز باكورة ألبوماته، “المرجان”.
بعد أن تم تصنيف الراي في قائمة التراث اللامادي لليونسكو، بات من الواجب إنصاف الشيخ زرقي، فنان بارز ظل مغمورا عند العامة لولا وفاء محبيه والعارفين بأسرار فنه وهو يستحق التعريف بإسهاماته في المجال. لهذا أحاط جمال الدين رفاس نفسه بأوركسترا، ومنح لنفسه حرية اقتباس نصوص زرقي وتحمل مسؤولية التغني بها، و استطاع أن يحافظ على العمل الأصلي و الدفع به قليلا نحو موسيقى الروك التي تتناسب مع المشروع الفني لزرقي.
تعود الأعمال الأصلية لزرقي وغيره من الرواد الأوائل في أغنية الراي لتطفو على السطح مجددا، في السنوات الأخيرة، بفضل مشاريع فنية حديثة أطلقها مجموعة من الفنانين الجزائريين المجددين على شاكلة “البسطة” وسفيان سعيدي و”الوريثات” و أيضا “قصبة إلكرتيت” لأبوبكر معطالله.
ولا يخفي جمال رفاس تفاؤله بهذه “الديناميكية الجميلة التي تواكب أغنية الراي بصفتها مشروعا فنيا وليست مجرد ظاهرة اجتماعية”، ويعبر في أكثر من مناسبة على أمنيته في رؤيتها “دائمة وذات نوعية” وذلك بفضل دعم الحركة الفنية والجمعوية والمؤسسات الثقافية التي تفتح الأبواب لمثل هذه المشاريع.